صفحات الموقع

الثلاثاء، 17 يوليو 2012

إذاعة صوت الشعب - لبنان، لم يغيرها الزمن

الصورة من داخل استديوهات «صوت الشعب»

حين تقصد استوديوهات إذاعة «صوت الشعب» التي تبث من لبنان، تشمّ رائحة الماضي. لكن لا مكان للحنين هنا. تستقبلك على مدخل الإذاعة صورة لزياد الرحباني. وزياد، يكره الحنين إلى الماضي، على اعتبار أنّه أحد عوامل الرجعيّة. تحاول «صوت الشعب» منذ انطلاقتها قبل 25 عاماً، ألا تترك مكاناً للرجعيّة في أروقتها، أو عبر أثيرها. يقول الإعلان الذي تبثّه الإذاعة حالياً ضمن حملة الاحتفال بيوبيلها الفضّي: «صلاح قليل من فساد كثير». لا يغالي مستمعو الإذاعة إن قالوا إنّ «صوت الشعب» من الوسائل الإعلاميّة القليلة الصامدة في ظلّ الفساد المستشري على الساحة الإعلاميّة، بدءاً من توجهاتها السياسية والإجتماعية الملتزمة بقضايا الناس، وصولاً إلى نوعيّة الأغاني التي تبثّها. إذ يصعب أن تجد بين الإذاعات المحليّة، إذاعة يسارية علمانية، تدعم حركات المقاومة وقضايا الناس المحقّة، وتحافظ في الوقت نفسه على مستوى فنيّ راقٍ، في برامجها وفقراتها.لم تبدّل الإذاعة هويّتها، منذ أن انطلقت في خضمّ الحرب الأهليّة عام 1987. ظلّت عصيّة على التنازلات، رغم الضائقة الماليّة التي تحاصرها منذ سنوات، ورغم تراجع الدور السياسي لليسار خصوصاً، ولـ «الحزب الشيوعي» عموماً. وفي هذا السياق، يقول مدير الإذاعة نديم علاء الدين: «صوت الشعب» لا تنتمي إلى عالم البزنس. في ذلك العالم، حين يخسر الأشخاص، يغيّرون مشروعهم. ولكنّنا إن أحصينا العاملين في الإذاعة الذين استشهدوا وهم في طريقهم إليها مثلاً، نفهم أنّه لا قيمة للمال مقابل هذه التضحيات».عندما انطلقت «صوت الشعب» في 16 حزيران 1987، كانت صوت المقاومة الوطنيّة الوحيد، ونجحت تدريجياً بتكريس صورتها كمنبر للتقدميين والعلمانيين، وكمدافعة عن حقوق العمّال والمهمّشين. كلّ هذا، جعلها تقع ضحيّة المحاصصة الطائفية، فتأخر منحها الترخيص بالبثّ حتى عام 1997، إلى جانب محاصرتها إعلانياً. يؤكّد علاء الدين أنَّ علاقة العاملين في «صوت الشعب» بالإذاعة، هي علاقة انتماء أكثر منها علاقة عمل: «في حالات الحرب والطوارئ، يصير الجميع مراسلين متطوّعين. الشهيدة ليال نجيب، أصرّت على التطوّع في «صوت الشعب» خلال حرب تموز، وكانت تؤدّي عملها للإذاعة حين استشهدت».ومع الصعوبات الماديّة التي تواجهها الإذاعة، جاء تأسيس تلفزيون «اليساريّة» ــ الذي يعدّ «الحزب الشيوعي اللبناني» مساهماً أساسياً فيه ــ ليبدو كأنّه محاولة لإيجاد بديل مستقبلي عن «صوت الشعب». يقول علاء الدين إنّ «اليسارية» ستأخذ طابعاً عربياً، وبالتالي، لا يمكنها أن تحّل محل الإذاعة التي تعطي الأولويّة للشأن المحلي. ويتحدّث مدير البرامج في هذا الإطار، عن رغبة الإذاعة في المرحلة المقبلة، تحسين إرسالها ليغطّي كلّ المناطق اللبنانيّة، وإغناء شبكة برامجها، ببرامج عن القضايا الجامعيّة، وأخرى عن شؤون العمّال.نادي الأصدقاء«نقطة وراء نقطة، بتكبر البقعة». تردّد رئيسة «نادي أصدقاء صوت الشعب» مريم شميس تلك العبارة باستمرار. من هذا المنطلق، تداعت مجموعة من مستمعي ومحبّي الإذاعة عام 2006 لدعمها، حين كانت تمرّ بظروف مالية صعبة، أدّت إلى انقطاع بثها أحياناً، وأدّت إلى عدم دفع رواتب الموظفين. بدأ الدعم معنوياً، وما لبث أن أصبح ماديّاً أيضاً حين قرَّرت المجموعة جمع المال بشكلٍ عفوي، قبل أن تتبلور فكرة إنشاء «نادي أصدقاء صوت الشعب» بشكلٍ قانوني. يتمّ جمع الأموال من خلال اشتراكات الأعضاء، إضافةً إلى تبرّعات الراغبين في المساهمة، من خارج النادي. كما يقوم النادي بنشاطات دوريّة، شرط أن تكون بـ«مستوى الإذاعة» كما تقول شميس. هكذا نظّم النادي حفلات لفنانين تُبَث أغانيهم وموسيقاهم عبر أثير «صوت الشعب»، ومنهم سامي حواط، وأميمة الخليل، وشربل روحانا. وتمّ تخصيص حملة دعم أخيرا، بهدف تحديث تقنيات البثّ. ونجح النادي من خلال مساهمة المستمعين بشراء محطّة وضعت في منطقة عبيه، بهدف تقوية الإرسال. ومن مشاريع النادي المستقبليّة الانتقال من التحديث الخارجي إلى التحديث الداخلي، أي شراء معدّات وصوتيّات جديدة. إذاعة زياد الرحباني ساهم أثير «صوت الشعب» في صناعة أذواقنا الفنية، طوال خمس وعشرين سنة. تبثّ الإذاعة أغاني لن نجدها حتماً في أيّ إذاعة أخرى. وليست كلّها أغاني سياسية، أو ملتزمة. فـ«صوت الشعب» هي فسحة أيضاً للانتاج الموسيقي البديل وغير التجاري. كما قدّمت «صوت الشعب» برامج طبعت وعينا السياسي الاجتماعي والثقافي، مثل برامج زياد الرحباني، الذي يقترن اسم الإذاعة به. من «العقل زينة» ، إلى «ياه ما أحلاكم»، و«رسائل حرب نيسان 96»، و«الإعلانات السياسيّة الأربعة»، و«نصّ الألف خمسميّة»، أطلّ زياد بشكل مكثّف عبر أثير الإذاعة. كما أنّه وضع موسيقى فواصل النشرات والموجزات الإخبارية. ومن البرامج التي بثّتها الإذاعة، يتذكّر كثيرون برنامج الشاعر جوزف حرب «على سنّ الرمح» (1987)، وكان برنامجاً انتقادياً، ضدّ ثقافة العدم التي روّجتها الحرب الأهلية. كما كتب جوزف حرب برنامج «الدولة هون؟» ( 1988). كما اشتهرت الإذاعة بتقديم الأعمال الأدبية، مثل برامج المسرحي يعقوب الشدراوي، وأخرى مستوحاة من نصوص الأدباء أنطون تشيخوف، وفؤاد كنعان، وأمين معلوف، ومحمد عيتاني، إضافةً إلى برامج حوارية طويلة مع محمد دكروب واللغوي عفيف دمشقية. وفي الفترة الحاليّة، تواصل «صوت الشعب» بثّ برامجها النوعيّة (راجع الإطار)، ومنها برنامج «المواطن والقانون» الذي يرافق الإذاعة منذ انطلاقتها، وهو من إعداد وتقديم المحامي عبد الكريم حجازي. كما تبثّ الإذاعة برنامج «حديث روسيا» الذي يتناول التفاعل الحضاري بين روسيا ولبنان، ويقدّمه الزميل عماد رائف بالتعاون مع جمعية خريجي الاتحاد السوفياتي في لبنان. ويبقى برنامج الموسيقى الكلاسيكية «ما حدا مات» من العلامات الفارقة على أثير الإذاعة. إذ استطاع معدّ ومقدّم البرنامج الزميل بشير صفير أن ينزع صفة «الأرستقراطية» عن الموسيقى الكلاسيكيّة، وهي صفة لطالما نسبت إليها زوراً.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق