أُريدَ من البداية ان تكون مخيفة: وجوهٌ مجهولة خلف سواد
عظيم. لوحة استعراضية على موسيقى الأحزان، وألوان للصدمة. بلباس سهرة هوليوودية
متعبة، أطلّت داليا أحمد مرتبكة أمام هيبة "الزعيم". "حرب"
نفسية سبقت معالم المشتركين، مهّدت لها بالصراخ لفرط الحماسة. ثم أُميط اللثام عن
وجه ميريم كلينك. يا لسخرية القدر حين أنمّت عن "ثقافة" افتقدها الشبان
المنتقون "من بين الآلاف"، محجّمة بعض المتزعمين.
زياد بارود، رجل
التحكيم في البرنامج لمرة واحدة لن تتكرر، قال للمعنيين: "ليته لم يحمل اسم
الزعيم". لعل مبتكر هذا الاسم لم يعرف كم ارتبطت الزعامة في أذهان اللبنانيين
بالذل والتعتيم. الإعلامية الوافدة من نيويورك راغدة درغام، انتفضت للبعد الذكوري
في كلمة "زعيم": تغيير الصورة التي تُظهره رجلاً بربطة عنق لا تشبه
المؤنث، فكرة ستكون صائبة. فيما مديرة الأخبار في "الجديد"، مريم
البسام، في دور عضو لجنة التحكيم، رفضت أن يمرر الأمين رسائل سياسية من خلالها،
خصوصا أنها حاولت التوسط بينه وبين رئيس البلاد، كما قالت.
منذ ان ذُكرت
الأسماء، بترتيب لا يراعي الأبجدية، ثم عُرضت "المشاريع" بترتيب مغاير،
بدأ الشكّ في الاعداد يتقدّم منتصراً على كل يقين. 15 شاباً وصبية، أصاب أغلبيتهم
لغط فاضح في مفهوم "الزعامة"، فإذا بهم نسخة غير منقّحة عن نماذج سطحية
تتكاثر في كل المناسبات. دقيقةٌ أُعطيت لكل مشترك، فإذا بأشعار إيليا أبو ماضي
تتداخل بأقوال جبران خليل جبران، ثم بخلاصة "قولنا والعمل" في كتاب
التربية المدنية المعتمد في المدارس الرسمية، الى الكليشيهات المقهقهة حين تصطدم
بالواقع النتن، فالنبرة اللينينية المستوحاة من الحقبة السوفياتية، حين كان
"الزعيم" يرتدي أفخم البزات، ويعتلي المنبر مقنعاً الشعب الجائع بأن
يتناول بعض الشعارات مع كوب ماء حين يحلّ المساء.
برنامجٌ سياسي أتى
بالعارضة ميريم كلينك لمزيد من الإثارة والصخب، فإذا بمريم البسام وزميلها في
التحكيم ابرهيم الأمين، يزايدان عليها في الشعارات: "نأمل ألا يكون البرنامج
ممراً لتبيض سمعتك"! إذا كانت كلينك لا تنتمي الى المستوى المطلوب، فلم
قبولها في البرنامج، أم ان جذب المُشاهد لن يتحقق يوماً، في وطن الغرائز هذا، من
دون مفاتن بعض البلاستيكيات المشوّهات لدور المرأة في المجتمع؟! كلينك، المرشحة
الى الانتخابات من دون منّة أحد، حاولت ان تلعب دور الناضجة في حضرة المراهقين:
"أريد ان أكون عضواً فاعلاً". البعض أمام هذه العضوية، تظاهر بأنه معارض
شديد.
أهل وأصدقاء، ومجتمع
بأحكام مسبقة يشاهد، وأسئلة من نوع "هل تؤيدين العلاقة الجنسية قبل
الزواج"؟! الإجابة لم تقنع الأمين: "هذا شأن خاص يندرج ضمن
الحريات". الزعماء لا يمازحون: "أريد جواباً. نعم أم لا؟". لربما
لتلك الشابة غير تجربة جنسية مع غير رجل، ولربما لم يمسسها بشريّ من قبل، ولكنها
أمام عيون شاخصة، أجابت: "أنا ضدّ".
في حضور سياسي
تقدّمه رئيس الجمهورية، غنّى عاصي الحلاني. فكرة البرنامج مميزة، اذا أحسنت
قيادتها، وأعضاء اللجنة يملأون مكانهم بجدارة، مع الجدل الذي يثيرونه. من ناحية
أخرى، كنا أمام صورة واخراج وتقارير ومشتركين أقل من عاديين لبرنامج وُصف بالحدث.
ثلاثة مشتركين استُبعدوا من الحلقة الأولى. الصراخ، رفع الأصابع، وبيانات الصفوف
الابتدائية، تخيّب آمال الجماهير الباحثة عن فارق. تدارك الثغر يبدأ بتكثيف
التمارين الجديّة. الرهان على "الفطرة" يخذل "القضية"، وعندها
سيضطر المُشاهد مرغماً الى تقليد ابرهيم الأمين في تلك النظرة الدونية التي يرمي
بها من يراهم أدنى منه شأناً.
المصدر : جريدة النهار
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق